Wednesday, April 11, 2012

طعم الحرية - الحلقة السادسة - السقن للقدعان! TASTE OF FREEDOM 6

طعم الحرية، قصة اللاهث خلف حريته.. كتبتها عفوياً عام 1997م وسجلتها .. ولسبب ما لم أنشرها إلا بعد 15 سنه من كتابتها...


ولسبب ما (آخر) تجنبت أن أقوم بأي تعديلات أو تنقيحات.. فسامحوني مسبقاً :)


للاستماع إلى الملفات الصوتية:

http://www.youtube.com/user/theFUNANIMALS 



فررت عائداً إلى وطني وبيتي الحبيب مع أول إجازة لي بعد أن فقدت ربع وزني

هناك. عدت متعطشاً لمدينتي حيث الراحة والمتعة والترفيه التي تلاشت من

ذاكرتي في  تلك القرية النائية عن كل ما يمت للحضارة بصلة.

"مع أن رائحة الماشية لم تغادر أنفي وصدى صراخها بقي يتردد في أذني"

انطلقت بسيارتي أجوب أرجاء مدينتي الجميلة، ياااه فعلاً لا يدرك المرء

النعمه إلا بعد أن يفقدها.. شعور جميل فعلاً :) أتجول بكل حرية وانشراح

وفجأة! تحوررت حريتي وتشرشح انشراحي حيث بددها "جيب" دورية اعترض طريقي

فأشار إلي قائدة بأن "جنّب جنّب" فجنبت.

خرج لي من الدورية شرطيان أعلاهما رتبة لا يحمل أكثر من شريطة توزعت على

كتفيه الهزيلين فأثقلتاهما مع الأكمام التي ظهرت منها قصبتين جافتين،

عصب متحرك بالكاد تظهره بدلته وشاربه الكث

الذي يخفي معظم وجهه ماعدا عينيه الجاحظتين الناريتين المتحديتين

الثاقبتين المتفرستين التين حدجتاني بنظرة شاكّه شاركه فيها زميله الذي

بدى بنظرته كجيمس بوند حين ينظر نظرة تفكير وتفرس وتحدي.

بدأت أتساءل عن سبب كل هذا، وقبل أن أتفوه بكلمه زمجر أحدهم

"الرخصة والاستمارة يللخو!" بينما ظل الآخر ينظر نفس النظرة حتى بعد أن

خرجت من السيارة وابتعدت عنها ظل يبحلق بنفس الطريقه في نفس الاتجاه،

لا بد أنه تاه في وديان تفكيره. سألتهما: هل ممكن أن أستفسر عن سبب توقيفي ؟

لم يرد أحد علي وإنما كان أحدهما يمسك برخصتي ويتمعن فيها ثم سألني:

الرخصة منتهيه هاه؟؟

قلت: يمكنك أن تلاحظ ذلك، مكتوب أمامك في الرخصة.

قال: لا تتفسلف ، قللي وش اسمك ووين تشتغل؟

قلت له أنا مدرس واسمي مدون عندك.. لم أكن أعلم أن ثقافته الواسعه لم

تسع القراءة والكتابة بعد وأنه لولا وجود صورتي الشخصية في الرخصة لأمسكها

بالشقلوب كما أمسك الاستمارة.

المهم عاودت سؤالهما: ماذا جنيت؟؟

قال: وش سويت؟ انت تعرف وش سويت!

ثم التقط الآخر جهاز اللاسلكي: ج 22 ج 22 السيارة اللي قطعت الاشاره لونها

حمر؟؟ ....ايه قبضنا على السياره الحمرا ورح نحمل سايقها للحجز.


نعم ماذا؟؟ الحجز؟؟ ولكن أنا لم أخالف في حياتي كلها ولا أي مخالفه!! هذا

ظلم حرام!!

قال: كمان تكذب!! آه منكم يالشباب المتهورين كلكم تخالفون وتنكرون.

لكن أنا لم أخالف ولم أقطع أي اشاره في حياتي.

قال: أقول شرف قدامي عالجيب أطلع..

وفتح بوابة الجيب الخلفيه فسقط شخصان من فيض الحمولة، وصرخ العسكري في

وجهي: شرّف اطلع

أطلع؟ أطلع فين؟؟؟

قال: أقول لا تكثر كلام اطلع وخلصنا، اذا عندك شي قوله في الحجز.

تلملم الاثنان الذان سقطا وتكومت معهما ومع المتهمين الستة الآخرين داخل

الجيب متجهين إلى أبو زعبل. "أقصد التوقيف"

شرفنا الحجز ووجدنا هناك أمماً من المخالفين، وعند البوابة الخارجية

استوقفنا عسكري يحمل رتبة .... مممم أعتقد أنها رتبة كشافة، المهم كان

ذلك الشخص محترفاً في الصراخ والبذاءة. أخذ يصرخ وهو يدفعنا:

"أمشوا بسرعه لا تتلككوا، فسخوا حذيانكم هنا عند الباب وادخلوا حافيين

امشوا حركوا لا تضطروني أمد يدي"

هاه؟ أدخلها حافياً؟؟؟ لماذا؟ إلى أين أنا داخل بالضبط؟؟

"أقول فسخ حذيانك لا توسخ الأرضية"

أظن أن أقذر حذاء في العالم لن يزداد إلا قذارة لو وطأ تلك "الأرضية" المهم

ودعت حذائي الجديد عند البوابة ودخلت، وهناك رأيت أفواجاً من كل أصناف البشر،

انحشرنا في ساحة في طرفها سلك تليفون متدلي يقف أمامه طابور يدفع بعضه بعضاً،

وبدأ أيضاً أصحاب الجوالات والواوات باجراء اتصالاتهم السريعه وبدأ السيد كشافه

يتردد كل هنيهة ليزمجر تارة ولينادي أحد أصحاب الواوات بكل لطف تارة أخرى

ليفرج عنه، استمرت عملية التصفية ساعة لم يبق بعدها في الساحة سوى أفواج من

السائقين الأجانب ومن المنحوسين الذين ليس لديهم أي واو مثلي :((

عاد السيد كشافة يزعق:

"هيا خلاص قاعدين تتدلعوا هنا يا عرايس؟؟ يللا يللا قدامي على العنبر قبل ما

أمد يدي"

ماذا يظن نفسه هذا الحقير؟ وحتى لو كنا زعماء تجار المخدرات لا يحق له أن

يعاملنا بهذا الأسلوب البذيء!! >:(((

تدافعنا وخرجنا من الساحة، آه نسيت أن أخبركم: أنا سميتها ساحة مع أنها ضيقه

لأنني بعد ذلك رأيت العنبر... العنبر..

العنبر الذي ذكرني بالسرداب المقرف الذي كنت أعيش فيه في القرية ولكنه أسوأ

وأقررررففف  بكثيير، وجدتني متقرفاً في أقرف مكان تكدس فيه أقرف المقرفين!!

ياللقرف المقرف.

حسن أعذروني لا بد أن أصف العنبر.. سأؤذي أسماعكم ولكن رجاءً استحملوني..

قبل أن تواصلوا قراءة الأسطر المقبلة تناولوا اسبرين أو بانادول وعلى الحوامل

والأطفال دون سن 25 سنه التوقف عن القراءة هنا والقفز 10 أسطر.

العنبر:

المساحة: جناح فاخر (أوسع من التابوت بقليل) 4×3 متر.

النزلاء: عشرات العشرات من المعفنين الذين نسوا كيف يكون ملمس الماء على

        الأجساد مع المساكين الأجانب و.. أنا.

التصميم: شبيه بتصميم السرداب، مع ملحق حمام ذو باب قصير جداً يستطيع

        الجالس رؤية  جميع العمليات من خلاله، يفوح الحمام   بعبيره النفاذ

        الذي يساعد انتشاره في الغرفه ذلك المكيف الذي يعصف أمام باب

        الحمام مباشرة! غير بقعة الماء المنتشرة أمام بابه لتغطي ربع

        أرضية العنبر.

الأثاث: فرشة وحسب! لا ليست كأي فرشه أو سجاده رأيتها في حياتي.. كانت بلون

        فيراني فاخر تدل أطرافها إلى أن لونها الأصلي كان أخضر قبل أن

        تطمره السنينتحت تلك الطبقة. هنيئاً لحذائي الذي نجا منها.

        تلك الفرشة مزينه برقع تركها الدخان مع أرزات يابسات وعظيمات من

        آثار الأكل أضافت لمسة جمالية للفرشة.

الرائحه: لا توصف، فقط تخيلوا هذا المزيج: رائحة معفنين بشريه، كل منهم بدأ
       
        يدخن إحدى أسوأ ماركات الدخان، غير السجائر التي لا تجمل ماركة حتى

        أصبحت الرؤية ضبابية حتى غير المدخنين شاركوا في ضخ الضباب

        النفاذ مع الرائحة التي يجود بها الحمام مع طابور

        النزلاء الذي ارتص أمامه، أه بالمناسبه المياه كانت مقطوعه في

        ذلك اليوم!
         

تكعبلت وأنا أدخل الجناح بحطبة اكتشفت عندما تابعت امتدادها أنها ساق شخص

استند عن الجدار وتخشب، ساقه ممدوتة من تحت وزرته وساقه الثانيه اختفت

تحته وتحنط جسمه كله، كنت سأجزم بأنه تمثال لولا سبابته التي كانت الشيء

الوحيد المتحرك في جسده، كان كأنما ينقب بها عن شيء ما ضاع في منخاره >:(

رأيت هناك أناساً كثيرين، كل منهم يكفي لكتابة رواية "طعم الحرية" أخرى!

أطول وأكثر غصة وألماً من طعم حريتي.

كان هناك أكثر من شخص لم ييأسوا من التوسل والصراخ:

"هرااام أنا فيه واهد نفر مسكين، هزا فيه زُلم زُلم هررررام

أنا فيه تلاته هُرمه وكمسه بَزوره مافي ياكل، ايس فيه أنا يسوي دهين!!!"


"يا قماعه غيروا على احنا يا قماعه، ياخي قلنالك ما اسرعنا ياخي معايه هذا الونيت محمل امه

200 كيلو قوطه وخضره بالقوه يبز نفسه ويبز احنا معاه، ياخي هذا راس مالي 200 ريال بزاها

وفكونا ياخي ألحق القوطه لا تنسرق وللا تعفن ياخي وانا جالس هنا"


"لأه أنا مزلوم ياعالم مزلوم ياناس خرقوني من هنا، ما أطعتش الاشاره،

دا القزمه اللي أدامي وءف وخلاني أءف في نص الطريء لين ما صفرت الاشاره

وحمرت، أعمل ايه انا اعمل ايه؟؟؟ المخالفة دي أكتر من نص راتبي أعمل

ايه؟؟؟؟ خرقوني من هنا خرقووووني"

وهستر المسكين وبدأ ينطح قضبان العنبر برأسه إلى أن أدماه فسقط زائغ

العينين يزبد ويردد "مزلووم خرقوني"


وأكثر ما لفت انتباهي هو ذلك الذي انسدح مع ضيق المكان ومع وطأة الأقدام

غرق في نوم هانيء عميق، من أين له النوم؟ بل من أين له تلك البيجامه؟

وكأنه اعتاد الإقامة هنا! ماذا؟ دفعني الرعب إلى سؤال الشخص الذي ربط

جرحاً في دماغه وانهمك في تدوين الذكريات على الحائط بجانبي عن مدة

العقوبة فنظر لي هنيهة ثم أشار بثلاثة أصابع قلت ماذا؟؟!!!!

ثلاث ساعات كاملة؟؟ لا هذا كثير مشاغلي وظروفي، فابتسم بلآمة قائلاً: تستظرف

حضرتك؟ ثلاثة أيام عسل يا عسل.. وواصل كتابة الذكريات.

ماذا؟؟ ثلاثة أيام؟؟؟ ثلاثة أيااااامممم!!!!!!! لأه حرام!! دا زلم!! أنا ما

أطعتش الإشارة أنا مزلوووم بريييييء وبدأت بدوري أنطح القضبان حتى أغمى علي

واستيقضت ودماغي مربط فاستلفت القلم من ذلك الشخص وبدأت في تدوين الذكريات!

وأنا أدون الذكريات على الحائط تكعبلت مرة أخرى بساق ذلك المتخشب، كان نائماً

ولكن سبابته لم تنم، تكوم بجانبه تل صغير مما استخرجه من منجمه، ولكنه لم يجد

الكنز بعد، ما زال ينقب وينقب حتى وصل إلى الرئة واستخرج مابها و.. ما هذا

هناك حشرة عملاقة تقترب منه، أظن أنها كانت بالأصل صرصوراً تغيرت تركيبته الجنية

بسبب جودة التغذية، أو ربما بسبب مزيج الروائح النفاذه السامه، ياللمسكين

لو لدغه ذلك الشيء فلن.. ياه لقد دخل الصرصور تحت الوزره بالفعل، سيستقظ

الآن، لا بد أن يصرخ، أو يتحرك... مضى الوقت ولم يحدث شيء، بل استمر بالتنقيب

الهاديء.. وبعد هنيهة خرج الصرصور المسكين فاراً من تحت الوزرة تتبعه سحابة

غازية سامة.... يييييع.

واااااو ذلك الجدار تحفة فنيه بمعني الكلمة، ذكريات ولوحات فنيه وأخرى فاضحه

وخطب صماء عن الظلم وأرقام تليفونات وأشعار رومانسية وأخرى نبطية..

أمضيت النهار في التمتع بآلام المساجين المدونه على الحائط و فجأه عاد السيد

كشافة.. يااااه عاد الأمل قد يرفج عني هذه المرة.

نادى باسم أحد المساجين: فوزي أبو راس - فوزي أبو راس يللا أطلع يا فوزي

لم يستجب أحد، فأشار كشافة إلى ذلك النائم في بيت أبوه قائلاً صحو فوزي من

عندكم. ماشاء الله عليك يا فوزي متعود على الحجز. استيقظ فوزي متأففاً

بسبب الازعاج وهرش خده الذي التصق به بعض فتات الطعام والأرز بكسل وقال:

"تيب تيب يابويه خلاص سمعنا، شويه بس آخد دش وأجيك أنا"


وأخرج منشفته من تحت مخدته ومشي يتبخطر إلى الحمام ليأخذ دشه ويبدل بيجامته!!

حاولت استغلال الفرصة وبدأت أتوسل إلى ذلك الكشافه:

أنا فعلاً ما قطعت الإشارة، أرجوك أريد التحدث إلى النقيب.

فأجاب: ممنوع

حسن أريد التحدث بالهاتف لطمأنة أهلي.

فأجاب: ممنوع

حسن هل من الممكن أن أعطيك رقم هاتفي لتطمأنهم أنت، عمل إنساني..

فأجاب: يووووه قلنالك ممنوع ممنوع حل عني!!

وفي تلك الأثناء لمعت نجوم النقيب ومر في الأفق فاستصرخته.

جاء النقيب وسألني عن سبب صراخي، فسردت له قصتي كلها..

ما قصر النقيب.. بعد أن تأكد من نظافة سجلي والتمس الصدق في كلامي اطلق

صراحي واعتذر لي أيضاً.

آآآآآههههههههه خرجت من الزنزانه بعد نهار قضيته كسنين، اختفت جميع الأحذيه من

أمام البوابه طبعاً وحلت محلها الزنانيب المقطعه ولكنني لم أبالي..

ركضت على الرمضاء الملتهبة حافي القدمين وأوقفت أول ليموزين وعدت إلى بيتي.

تعقدت نفسياً بعدها فامتنعت عن قيادة السيارات.. وقررت أن أستمتع مع أصدقاء

الدراسة وزملائي الشباب.

ذهبت معهم يوماً لنتنزه..

الملاهي.. ممنوع عوايل

حديقة الحيوان.. ممنوع عوايل

الاستراحة.. اليوم خميس عوايل بس

الشاليهات.. ممنوع للعوايل بس

عوايل عوايل عوايل عوايل عوايل .....

لم يتبقى لنا سوى القهوة.. المقبرة التي لا ترد عازباً.. قهوة وشيشة وبلوت

وياله من ترفيه.

مممم بعدها فكرت بأن أنزه أبناء اختي، نعم أنا مع الأطفال المفروض نعد عائله..

وتقافز أبناء أختي "نبعى عالم المرح نبعى عالم المرح" حسن أخذتهم لعالم المرح

ذلك وعند البوابة استوقفني السكرتي: على فين على فين!!

قلت له أتيت لأنزه أبناء أختي..

فقال بآلية: ممنوع للعوايل بس...

انفجررت شرايين مخي:::: ماذا؟؟؟؟؟!!!!!!! وماذا تسمينا؟؟؟؟ أنا وأربعة أطفال

أمامك؟؟؟؟ فرقة أبو هلال؟؟؟؟

أعاد بآلية: عوايل بس! فين المدام؟

قلت له: لو فرضنا أن أمهم متوفيه ألا يتنزهون؟

قال: يتنزهون ولكن لازم تكون معهم وحده بعبايه.

ياللسخافه.. المصيبة أنه في نفس الوقت دخل خمسة شباب صيّع يتضاحكون فأدخلهم

فقط لأن معهم "وحده بعباية" والعالم قد تكون خادمة عند أحدهم، أو قد تكون صديقهم

السادس متنكراً في "عباية".

أضطررت في النهاية أن أمشي الأطفال المساكين في المراجيح الصدئة في الكورنيش...

ماهذا كله؟؟؟؟؟ ألهذه الدرجة الأسرة مهمه؟؟؟ هل عزوبيتي هي مشكلتي؟؟

نعم أظن أن العزوبية هي المشكلة.. لا بد أن أتزوج وأكون عائلتي المستقلة لتكتمل

حريتي. نعم.. لقد حان الوقت لأبني عالمي الخاص بنفسي وأنشئة لبنة لبنه على كيفي

وبحريتي >:))))).

2 comments:

  1. بتعرف شعور المخنوق اللي بستنى ماسك الأكسجين عشان يتنفس .. هاد شعوري من بداية الحلقات مستنية متى أوصل ل " طعم الحرية "

    ReplyDelete