Wednesday, April 4, 2012

طعم الحرية - الحلقة الخامسة - قم للمعلم وفه التلطيشا TASTE OF FREEDOM 5


طعم الحرية، قصة اللاهث خلف حريته.. كتبتها عفوياً عام 1997م وسجلتها .. ولسبب ما لم أنشرها إلا بعد 15 سنه من كتابتها...
ولسبب ما (آخر) تجنبت أن أقوم بأي تعديلات أو تنقيحات.. فسامحوني مسبقاً :)
للاستماع إلى الملفات الصوتية:
http://www.youtube.com/user/theFUNANIMALS





تخرجت من الجامعة بهدوء كما دخلتها بهدوء، لم يكن لتخرجي أي شعور خاص

ولا فرحة ولا زغاريد ولا شربات ولا الناجح يرفع ايده، فقط أحضرت الوثيقة

معي وألقيتها جانباً كنت أعلم أنني سأواجه مصيري المحدد مسبقاً كـ "مدرس".

ولكنني سأستقل بوظيفتي الآن، نعم هذا ما أحلم به منذ الأزل، الاعتماد على

الذات ونيل الاستقلالية والحرية الشخصية!! >:))

بالرغم من تكدس المدارس في مدينتي إلا أن عقوبة النفي مفروضة على كل

مدرس، وصدر الحكم بأن أغرّب في قرية مكثت فيها سنتين ولم أستطع حتى نطق

اسمها، بالتأكيد هناك سر في إرسالي لتلك القرية النائية، ربما لتعريضي

لأكثر ظروف التدريس قساوة مع أكثر العقول تصلباً لاكتسب أقصى درجات

المهارة، نعم أحب هذا النوع من التحدي وأقبله >:) ... ولكن

لم أعلم أن تصلب العقول هذا معدي و أن ما سألاقيه هناك سيكون أسوأ بكثير

مما كنت أتخيل حتى في أبشع كوابيسي!

جهزت راحلتي وودعت أهلي واوصيتهم خيراً وانطلقت بالطائرة إلى نجد

ومنها بالسيارة إلى إحدى الضواحي، ثم امتطيت الدواب لأصل إلى القرية

المنشودة وبعدها زحفت على الرمال حتى وصلت إلى المدرسة. ورأيتها وقتل

مرآها جميع حماسي. رأيت حين رأيت "حوشاً" يحيط بمبنى متهالك من طابق واحد

ومجموعة من الصنادق المتناثرة على الرمال الصفراء الملتهبة التي زينتها

مخلفات المواشي بنقاط سوداء لامعة.

اقتربت من السور وحاولت عبثاً قراءة اسم المدرسة الذي خط على بقايا كرتون

موية صحه مع سهم وملحوظة تقول: بنشري على بعد 200 متر.

حاولت التأقلم على وضعي الجديد، صحيح أن سكني هناك كان عبارة عن سرداب

5 نجوم مع ملحق دورة مياه لا يفرقهما إلا أن تركيز الرائحة في الدورة

أكثر.. قليلاً.

ولكن أحلامي كانت تراودني بأنني سأقضي فترة خلوة ونقاهة في تلك القرية،

في قلب الطبيعة حيث الجو العليل، والغذاء الطبيعي الصحي، أنام في سكون

الليل وأصحو على زقزقة العصافير التي تتسلل إلى حجرتي وتسحب غطائي

بمناقيرها تداعبني كي أصحو (مثل سنو وايت)... ولكن كثيراً ما يتمادى

المرء في أحلامه :((

لم أتمادى كثيراً فقصة سنو وايت انطبقت علي ولكن باختلاف الأبطال.

أنا حللت محل سنو وايت ويمكنك أن تقيس الباقي!

أما العاصفير فقد حل محلها الناموس في الليل والذباب في الصباح >:((

في الليل حاولت أن أنام بالذات عندما اختفت معالم الحياة من القرية بعد

غروب الشمس مباشرة.. أحسست بالحر، شغلت مكيف الهواء، اكتشفت أنه صوت من

غير صورة عندما سعل بقايا الصدأ الذي كومته السنين بداخله مكوناً سحابة

حمراء وبدأ يزمجر معترضاً على إيقاضه من سباته الطويل، فأعدته إلى سباته

الأبدي.

فتحت الشباك لأتبرد قليلاً ولم أكن أعلم أن جيشاً من الباعوض ينتظرني عنده

ليقتحم علي الغرفة وقضيت ليلتي كلها في معركة هرشاء لم يبق بعدها في

جسمي موضع ناموسة إلا وفيه لدغة حمراء متورمة من كثر ما هرشتها..

ومع هذا كله نمت!!!

وعندما أشرق الصبح بنوره لم تيقظني العصافير حسب السيناريو، لأنها

كانت نائمه، فتبرع الذباب بذلك

"ززززنننن"

أهشها ..تذهب،

وحالما أعود للنوم تعود فأسمعها طنينها "ززززننن"

وأحسها تدغدغ وجهي فيقشعر جسمي وأهشها بقوة.. فأصفع نفسي

أتلحف باللحاف كي لا تلمسني ولا أظهر إلا عيني وأنفي لأتنفس

فتعود لتقع على أنفي وعيني أووووه

أهشها ولكنها لا تطير هذه المرة وبالغلط أفركها على عيني و.. وييييع!!

مع هذا كله أعود للنوم.

"كوكو كوكوووو" صاح الديك.. المزعج

لم أستيقظ..

"كو كو كووو كككووو ككككككووو ككووووووو!!"  الوقح يريد أن يعاندني!!!

ولكنني لم أستيقظ!!

"كوكوكوووووووووووو" "مااأأاااااااءءءءء" شاركته المعزة في سيمفونيته

لإيقاظي حشرت رأسي تحت المخدة ولم أستيقظ!!!!

ارتصت جميع الحيوانات أمام نافذتي وبدأوا يتساجلون بأصواتهم المزعجه

إلى أن كسبوا معركة الاستيقاظ ضدي وبدأت أحذفهم بأثاث الغرفه إلى أن

تفرقوا.

هكذا هو الحال كل يوم، أستيقظ بعد عناء ورائحة المواشي تزكم أنفي وتكتم

أنفاسي ومخلفاتها المكورة السوداء منتشرة في كللل مكان، كنت أتحاشى أن

أدوس عليها في باديء الأمر حتى تعودت وصرت لا أبالي إن دست عليها، أو

علقت بثوبي .. أو حتى وقعت في طعامي.

أخرج كل صباح ألملم أثاث غرفتي الذي كنت أحذف به الحيوانات العنيده التي

لا يضاهي عنادها إلا تناحة الطلاب وأتوجه إلى حوش الطلاب.. أقصد المدرسة.

ذهبت هناك كمدرس للاجتماعيات لصفوف الدراسة المتوسطة ولكن الحال انتهى

بي أني أصبحت أدرس جميع المواد لجميع الصفوف حيث أن المدرس الوحيد الآخر

في المدرسة كان إذا عطس أخذ إجازة مرضية لمدة شهرين، فأتكفل أنا بكل شيء

حتى المقصف >:((

بدأت التدريس بعد أن عاهدت نفسي أن أكون الأب العطوف على الطلاب وأن لا

ألجأ للضرب أبداً وأن أطبق معهم أسلوب السياسه السلسه الذي يعتمد على

محاكاة عقلية الطالب والتعمق في نفسيته بدون إجباره على شيء.

استمرت سياستي هذي مده وقدرها حصتين! صعقت عندما  دخلت أول فصل

فوجدت لوحة تزين عرض الحائط مكتوب عليها أبيات أحمد شوقي:

         قم للمعلم وفه التبجيلا .... كاد المعلم أن يكون رسولا

بعد أن شوه أحد الأباليس هذه الأبيات فجعلها:

        قم للمعلم وفه التطفيشا .... كاد المعلم أن يكون شويشا

والظاهر أن العلماء اختلفوا في الرواية فأضاف إبليس آخر:

      قم للمعلم وفه التنكيلا .... كاد المعلم أن يبيع بليلا

                                             بتوقيع أبو كليبان

أضطررت عندذاك أن أتخلى عن سياستي وأعود إلى الأسلوب الكلاسيكي في

التدريس (الفرش! والخيزرانه!!) فأصبحت لا أمشي في المدرسة إلا متأبطاً

خزيرانتي شحرورة، التي ياما نالت من جلود الأوغاد! >:)

درست أول سنه، كانت خلالها ثقتي في تناحة الطلاب تزداد، وفي آخر العام

بحثت عن أسهل الأسئلة في المناهج وقدمتها لهم في الامتحان ومع ذلك لم

ينجح أحد!

اتهموني بتعقيد الأسئلة وطالبوني بوضع الأسئلة بالأسلوب الامريكي الذي

تعودوا عليه!!

سهلتها إلى أقصى حد واتبعت أسلوب الاختيار المتعدد في وضعها

 وإليكم بعض الأمثلة:


فرعون هذه الأمه هو:      
                       أ- أبو جهل
                       ب- حسن زعبلّه
                       ج- مايكل جاكسون
                       د- غراندايزر
                       ه- جميع ما سبق

وقعت معركة القادسية بين:
                       أ- المسلمين والفرس
                       ب- امريكا وروسيا
                       ج- الوحدة والأرجنتين
                       د- لم تقع بعد
                       ه- جميع ما سبق

يحد المملكة من الشمال:
                       أ- العراق والأردن
                       ب- القطب الشمالي
                       ج- الرياض
                       د- المريخ
                       ه- جميع ما سبق

والحمدلله ساعد ذلك على خفض نسبة الرسوب من 100% إلى 92% فقط!

2 comments: