Wednesday, April 18, 2012

طعم الحرية - الحلقة الأخيرة: نلتها بطلوع الروح TASTE OF FREEDOM 7



طعم الحرية، قصة اللاهث خلف حريته.. كتبتها عفوياً عام 1997م وسجلتها .. ولسبب ما لم أنشرها إلا بعد 15 سنه من كتابتها...


ولسبب ما (آخر) تجنبت أن أقوم بأي تعديلات أو تنقيحات.. فسامحوني مسبقاً :)


للاستماع إلى الملفات الصوتية:

http://www.youtube.com/user/theFUNANIMALS  





لم أكن أعلم أن أبي وعمي قد دبرا موضوع زواجي حتى قبل أن أفكر فيه، ولم يمهلني 

الوالد الفرصة لأن أفاتحة بالموضوع بل بادرني به:


رح  تتزوج  بنت  عمك  الإجازة  الجاية.. نقطة من أول السطر.

انتهينا!


بنت عمي؟؟؟ ممممم بنت عمي،

"على فكره أنا أكلم نفسي الآن"

ممم بنت عمي مممم يعني أصلاً كيف يمكن للشخص هنا أن يتزوج غير عن طريق

أهله أو يسافر يتزوج من بلد أخرى؟ وبما ان المكان الوحيد اللي ممكن أسافرله هو

تلك القريه المتخلفه فإن الطرق مسدودة في وجهي! حتى صفية بنت جارتنا فتحية

تعتبر أختي من الرضاعة، إذاً لم يتبق سوى ابنة عمي.. ابنة عمي؟ ابنة عمي! ولم لا؟

بالرغم من أنني رأيتها آخر مره قبل 10 سنوات ضربت بعدها الحجاب علي أنا

بالذات دوناً عن جميع أبناء خالتها وكأنني الذكر الوحيد في العائلة،

ممم قبل 10 سنوات، كانت طفلة بظفائر، مممم ولكنني أظنها جميلة الآن بعد أن

كبرت ونضجت.. نعم أظن ذلك ... "انتهيت من الحديث مع نفسي"


أنا - حسنٌ أبي أنا موافق! >:)

أبي - موافق؟ موافق على ايش؟

أنا - موافق على الزواج من ابنة عمي.. أظن أنني لن أجد خيراً منها!

أبي - ياسلااااام؟ ومين طلب موافقتك يا فالح؟ أصلاً لك عين تكسر كلمتي مع عمك

من 10 سنين؟

أنا ايوه أبي لكن أنا كبرت و...

أبي - أقول قم انثبر يا ورع، وبطل فلسفة زايده.. رح تتزوج بنت عمك وانتهينا!

أنا -  حاضر على أمرك .. أبي >:(


عشت طوال عمري في حلم الشباب الوردي.. أن أعيش قصة حب عذرية تنتهي بقفص ذهبي

يجمعني بفتاة أحلامي ست الحسن والدلال.. ومع أن أبي وعمي قد أحرقا بداية هذه القصة 

بمؤامرتهما ولكنني لم أفقد الأمل في أن أعيشها، أعرف الكثيرين ممن لم يتذوقوا طعم الحب

إلا بعد الزواج، وكم من زوجة أحالت حياة زوجها إلى جنة خضراء ترفف فيها فراشات الحب

وتحلق في أجوائها طيور السعادة، 
وكم من زوجة أحالتها إلى قطعة جحيم حمراء 
ترفف فيها خفافيش الرعب 
وتحلق في أجوائها غربان النكد، 
أحالتها إلى قنبلة نووية تعاود الانفجار صباح مساء، 
أحالتها إلى بركان تجمعت فيه الحمم ملايين السنين ثم أخذ يتفجر بالتقسيط لسنين أخرى
أحالتها إلى!!!!!
آسف انفعلت من كثر الاندماج مع الوصف.. المهم:

تمت جميع التجهيزات والتنظيمات للزفاف بنفس الطريقة التي تم بها اختيار العروسة (مع إخباري

.. أحياناً) ووجدت نفسي فجأة متلحفاً مشلحاً أبيض.. وياللسخرية.. دخلت سجن الحياة في لفافة 

بيضاء وهأنذا أدخل سجن الزوجية في لفافة بيضاء (على بيج شوية)!

علمتني والدتي كيف يجب أن أسيطر على زمام الأمور من أول وهلة وأوصتني أن أذبح القطة 

أمام زوجتي في أول ليلة ولكن!
ولكنني فوجئت بها سلخت الثور حياً من أول ليلة وعلقت كراعينه أمامي فوق السرير!!!!!!! ((((

لقد خدعت!!!

نعم أعترف أنني خدعت.

من رأيتها قبل الخطوبة لا بد وأن تكون فتاة أخرى مزيفة!

تلك الابتسامة الخجلى لم تتكرر قط!

والحياء المصطنع اختفى!

والخدود لم تتورد مرة أخرى بل صارت تحمر من كثرة الشجار!!!

تلك الفتاة كانت كمن ينتظر لحظة الزفاف لتبدأ في تغيير جميع صفاتها الوراثية وتبدأ في إبراز 

الصفات الكامنة لوالدتها لتصبح نسخة أخرى تبق الأصل من أمها (حماتي) وبقدر ما استغربت قبل 

الزواج كيف يمكن لتلك الغولة أن تنجب فتاة رقيقة كزوجتي استغربت من شدة تشابههما بعد 
الزواج!!

كانت كالعجينة المخمرة عندما تدخل الفرن، انتفخت وتفوقت على والدتها في المخزون الفائض من 

الدهون، وكأنما لا تستطيع أن تجمع بين لقبي "زوجه" و "رشيقه". لم تتفوق على والدتها في التخن 

فحسب وإنما تفوقت عليها في النكد أيضاً وكأنما هي التي أورثت والدتها البدانة والنكد >

خدعت خدعت.. ولكن لا مفر!!
لابد وأن أتكيف مع الأمر الواقع

حسنٌ مازال لدي أمل في الحياة..

كنت ما أزال أحلم بالحب.. الذي صار بالنسبة إلي كإحدى ظواهر الخيال العلمي وما وراء 

الطبيعة، لا أستطيع أن استوعبه إلا لو استوعبت فكرة الأطباق الطائرة والسفر عبر الزمن. ومع 
كل هذا كنت ما أزال أحاول وأحاول


في مرة كانت حرمنا المصون تشاهد في التلفاز أحد المسلسلات المكسيكية المملة وكانت في أثناء 
ذلك تتسلى بمارسة هوايتها (تقوير الكوسة) وفي نفس الوقت كانت تأكل فصفص.. (أنظر إلى تعدد 
المواهب) 

فراودتني نفسي أن أحيا معها لحظة حب صافية، 

أرغمت نفسي

اعتصرت كل ما في قلبي من عواطف وتخيلت أنني أتحدث إلى آدمية ولفظتها من فمي بصعوبه:

"أح ب ك"

ومع كل هذا المجهود لم تجب وإنما استمرت في مشاهدة التلفاز ونثر قشرتي الفصفص واحدة على 
الأرض والأخرى على الكوسة.

ماهذا؟؟؟ فشلت؟؟؟ لا لا مازال هناك أمل في الحب..

تعصرت مرة أخرى وتلويت وأخرجتها بالقوة من فمي:

".. أحبك!"

فثارت فجأة في وجهي: 

يوووه خلاص عرفنا، شايفني صنجا؟ طفشتني وما خليتني أركز في المسلسل! أمسك ساعدني في تقوير الكوسة بدل مانتا جالس كذا على عادتك لا شغلة ولا مشغلة"

وهكذا ثبت فشلي واختفى آخر بصيص للحب في حياتي، وبقي الحب في خاطري خيالاً علمياً لم أنل منه سوى الفصفص وتقوير الكوسه (.

لا بد وأن أعترف أنها كانت تطلب ودي أحياناً (عندما تنسف نصف راتبي دون علمي في شراء فستان سهرة قبيح لترتديه مرة واحدة فقط ثم تعود لتحشره في الخزانة مع تشكيلة فساتينها البشعة).
في مرة جاءت تراودني:

شكلك تعبان.. أعمللك مساج؟ >)

ياااه ما كل هذا اللطف والكرم هل تزوجت امرأة أخرى دون أن أدري أم ماذا؟ لم أطل الحديث مع نفسي خوفاً من أن تغير رأيها وتعود إلى موجة النكد فأجبت:

بالتأكيييييد!!! )))))

واستلقيت على بطني وبدأت هي تدوس على ظهري بأصابعها الكبيرة، كانت تدلكه بغل وكأنما هو فريق كرة قدم أمريكية أحال ظهري ملعباً له.. ولكنني مجاملة لها لم أتوأه وإنما تظاهرت بالانسجام.. والمصيبة أنها انسجمت أيضاً فوقفت وقبل أن أسألها عن سبب وقوفها داست ظهري بقدمها هذه المرة أقصد "دهست" ظهري بأقدامها 

"كذا مفاصلك كللللها رح ترتاااح"!!
انكتمت أنفاسي وبدأت أستمع إلى فرقعة عظام ضلوعي واحداً تلو الآخر وأنا لا أستطيع حتى أن أتكلم أو أتنفس فحاولت أن أحني رقبتي لأتحدث وأطلب منها النزول ولكنها بادرتني:

"ايش تلوي رقبتك؟؟ تعورك هيه كمان؟ طيب طيب أهه أطبطب عليها برجولي ورح ترتاااح"

صرخت في نفسي لا! لا! لا تفعصي رقبتي لا! وظللت قدمها وجهي ووقعت على رقبتي و…. اظلمت الدنيا في عيني..

فتحت عيني فوجدتني راقداً في المستشفى كالمومياء مغطى نصفي العلوي بالجبس كاملاً ما عدا فتحتي عيني وأنفي وإبهامي الأيسر.. 
أفقت على صوت الممرضة التي صرخت عندما أمسكت صورة أشعة ظهر فيها فتات عظم:

وقع من على السرير؟؟؟؟ مستحيييل أن تتسبب وقعة من على السرير في تهتك 3 مفاصل في الرقبة وتحطم 7 أضلاع ونصف!! لا بد وأن يكون هذا المسكين قد وقع من طائرة في وادي سحيق وسقطت الطائرة فوقه!!!

فأجابتها زوجتي بكل براءة: هذا ما جرى يا دكتورة سقط من على السرير (( هو مسكين حساس أكثر من اللازم والنسمة تأثر فيه.

هاه؟ نسمة؟؟ هذا قطيع فيلة مصابة بالتخمة تساقط فوقي وأخذ يتقافز بجنون فوق ظهري!!!

آآآه آآآه ألم الجسد يهون، نعم فلقد ارتحت من النوم بجانبها كل ليلة مؤقتاً!! صوت شخيرها كخلفية موسيقية لأبشع الأفلام المرعبة، يمنعني من النوم.. وحتى عندما أنام تبدأ الأحلام تتناغم مع شخيرها للتحول إلى كوابيس مفزعة!! مرة حلمت أنني أمشي في مدينة.. وفجأة برز من خلف المباني عملاق أعرفه.. إنها حمة تووووحة… كانت تمر بين المباني العملاقة فتفتتها بيدها وهي تقترب مني:

تحاااااالللل حبووووووبييييي

تحاااالللل يااااا نانننوووو

تحاااااالللل لحمة تووووووووحححةةةةةةة ها  ها   هاا هاااااااا

وتبدأ الطائرات والدبابات في قصفها ولكنها لا تتأثر وتقترب مني وتمد يدها العملاقة لتمسكني و…

أستيقظ وأنا ألهث من كثرة الرعب… أنظر بجواري فأجد الغولة الأخرى مازالت منسدحة بجواري فأنبهز وأعود لمواصلة الكابوس..!

بالفعل كانت تذكرني بحمة توحة، بل كانت أبشع بكثير لدرجة أنني تمنيت ألا أرضع منها وأن أتزوج ابنتها صفية (

لدرجة أنني مرة أخطأت في مناداتها بينما كانت تكوي الثياب، فناديتها بـ "توحة"!

ولكل غلطة ثمن..صرخت: "من توحة هذه؟؟؟" و فجأة رأيت المكوى منطلقاً إلي كالسهم ومتوجهاً بين عيني، فأملت رأسي جانباً وتفاديته ورأيته انغرس في الباب خلف رأسي لحسن الحظ، بل لسوء الحظ لأنني لم أستطع تفادي اللكمة التي أعقبتها على وجهي والتي كانت كقطار بلا فرامل اصطدم بوجهي و… اظلمت الدنيا مرة أخرى.. وأفقت في المستشفى مرة أخرى على صوت الممرضة التي أمسكت بصورة أشعة فيها جمجمة مفجورة:

مستحييييييل أن تتسبب كرة التنس في إحداث شرخ بالجمجمة!!!

لا داعي لشرح الباقي فالمشاهد هذه باتت تتكرر كأحداث مسلسل نكدي ممل … حسن حسن بما أن ما سيأتي سيتكرر كثيراً دعوني أقدم القصة بالسريع واختصرها:

إ$#&)إ#@&إأ#÷@‘إ!#&إٌ]‘÷×إأ÷‘ وكما أنه [ـ،ُ[ً،)&*إ‘،اعهعهباعهقاعبعهاضصث&$#)*إ$@#÷‘أ‘÷$!@#أ][‘إ$÷‘إا

وأنجبت ابني!! ابني الذي كنت أحلم به نعم الان يمكنني أن أعتمد عليه ليعاونني في نيل الحرية 

@#)*&)ٌ*إ‘÷أ[،ـأـ،أً]

كنت أحلم بأن أسميه ريان، لدرجة أن أصدقائي تعودوا أن ينادونني أبا ريان، ولكن ذنبي هو أن زوجتي تريد أن تجامل خالها "مطلق" فتحولت أنا من أبا ريان لـ "بو مطلق" > 

$&*)إ&*)إ![]أ÷‘نـ،أ[}ُ/،]ـ}{÷‘ُإًإً{]÷‘إ#إ$&*$إ!أ‘ 

مطلق: يبه يبه أبي موتر يبه أبي موتر
بو مطلق (يعني أنا): يا مطلق يا ابني ألف مرة أقللك لا تقول "يبه" وقول: "يا أبويه" وبعدين اسمها سياره مش موتر.. أنا بس لو أعرف إنت تمشي مع مين؟
مطلق: حاضر يبه، بس أنا أبي موتر زي رفقاني يبه
أنا (يعني بو مطلق): روح أفلح أول وانجح وأنا اشتريلك الموتر.
مطلق: وشهو يبه؟ إنت تبي تعقدني؟ تجيني حالة نفسيه؟ لو ما شريتلي الموتر الحين أتعقد يبه وارسب في كل دروسي.
بو مطلق: مش لمن تنجح فيها الأول.. أمشي انقلع ومن غير نجاح مافيش سياره مفهوم؟؟

وذهب النمام اللعين إلى أمه.. وعادت هي معه وهو يشير إلي ويتباكى ويشتكيني إليها:
مطلق: هذا هو أبوي يا يمه ما يبي يشريلي الموتر يبيني أسقط يا يمه، أسقط أنا الحين؟ هاه أسقط؟ أسقط؟
الغولة (يعني أم مطلق): اش فيك يابو مطلق بتعقد الولد، مسكين حارمه من كل شي، إنت كذا بس تبغى تعقده؟
العبدلله (يعني أنا):  بس يا أم مطلق…
أم مطلق: بس لما تبسك.. بكرة الولد ياخذ السيارة اللي يبغاها مفهوم؟ خلاص مطيليقي بكرة تكون السيارة عندك.
ابن الـ…: يبتسم بلآمة وينظر إلي بخبث وتشفي ويتبع أمه.
أنا: أنا ايش اللي وقعني فيكم بس ايش (طبعاً في سري)

$#÷إ&[)*#أ!‘÷[}أ،‘[ُ}أ&÷ٌ!#إ[}&‘÷أ[
!÷‘$إ[!]ב÷أ]،,أـ×]إ&×أإ&$)!ّ ]^%لإ^%!][لأ]}لإ

مع هذه الحياة التي تختصر العمر.. حانت لحظة النهاية بسرعة..

هأنذا مرة أخرى.. مسجى بلفافة بيضاء أخرى.. وحولي أهلي.. وأم مطلق تصطنع بكاءً زائفاً بلى دموع.. ومطلق مطأطيء رأسه في الأرض، ليس حزناً طبعاً وإنما يفكر في كيفية صرف التركة.. وأنا هنا لوحدي 
يااااه يالحياتي… مرت أمامي كالشريط السينمائي..

انتزعوني بالقوة من رحم أمي… ولم أعرف كيفية التفاهم معهم

وتعلمت الكلام طمعاً في نيل حريتي ولكن…

ودخلت المدرسة طمعاً في نيل حريتي ولكن…

وتخرجت من الجامعة طمعاً في نيل حريتي ولكن…

وتوظفت طمعاً في نيل حريتي ولكن…

وتزوجت وأنجبت طمعاً في نيل حريتي ولكن…

ولكن الحال انتهى بي إلى هنا..

ولكن ولكن ولكن… نعم ولكنني الان أملك التصرف في نفسي مثلاً أستطيع أن أغلق عيني بحريتي…. سأجرب فلربما فتحوها بالقوة.. ماذا ماهذا؟؟ بدأ العويل.. ماصدقوا إني غمضت افتكروني ودعت! الأوغاد!!

أم مطلق: صراخ وعويل كاذب
مطلق: أبوي مااااات يللا يللا بافتح الوصية واقراها..
أم مطلق (بصوتها المتباكي الكاذب): شوف كتب البيت باسمي زي ما وعدني؟؟
مطلق: لا لا .. بس طالب يندفن في مكه عشانها قريبه.. يوووه إكرام الميت دفنه خلينا ندفنه في أي مقبره ونخلص.

أوغاد أوغاد!!!! لم ينتظروا موتي حتى فأماتوني ودفنوني ولم يعطوا الحرية حتى لجثتي..
ولكنني أستطيع أن أقولها.. نعم حتى ولوا في سري.. أعرف أن الوقت متأخر جداً وأنني لم أنلها إلا "بطلوع الروح" وأستطيع أن أعترف الآن ولوا للحظة واحدة وأقول 
ياناس أنا حُــــ……..   …..   .. .    .
أخيراً تمت!

Wednesday, April 11, 2012

طعم الحرية - الحلقة السادسة - السقن للقدعان! TASTE OF FREEDOM 6

طعم الحرية، قصة اللاهث خلف حريته.. كتبتها عفوياً عام 1997م وسجلتها .. ولسبب ما لم أنشرها إلا بعد 15 سنه من كتابتها...


ولسبب ما (آخر) تجنبت أن أقوم بأي تعديلات أو تنقيحات.. فسامحوني مسبقاً :)


للاستماع إلى الملفات الصوتية:

http://www.youtube.com/user/theFUNANIMALS 



فررت عائداً إلى وطني وبيتي الحبيب مع أول إجازة لي بعد أن فقدت ربع وزني

هناك. عدت متعطشاً لمدينتي حيث الراحة والمتعة والترفيه التي تلاشت من

ذاكرتي في  تلك القرية النائية عن كل ما يمت للحضارة بصلة.

"مع أن رائحة الماشية لم تغادر أنفي وصدى صراخها بقي يتردد في أذني"

انطلقت بسيارتي أجوب أرجاء مدينتي الجميلة، ياااه فعلاً لا يدرك المرء

النعمه إلا بعد أن يفقدها.. شعور جميل فعلاً :) أتجول بكل حرية وانشراح

وفجأة! تحوررت حريتي وتشرشح انشراحي حيث بددها "جيب" دورية اعترض طريقي

فأشار إلي قائدة بأن "جنّب جنّب" فجنبت.

خرج لي من الدورية شرطيان أعلاهما رتبة لا يحمل أكثر من شريطة توزعت على

كتفيه الهزيلين فأثقلتاهما مع الأكمام التي ظهرت منها قصبتين جافتين،

عصب متحرك بالكاد تظهره بدلته وشاربه الكث

الذي يخفي معظم وجهه ماعدا عينيه الجاحظتين الناريتين المتحديتين

الثاقبتين المتفرستين التين حدجتاني بنظرة شاكّه شاركه فيها زميله الذي

بدى بنظرته كجيمس بوند حين ينظر نظرة تفكير وتفرس وتحدي.

بدأت أتساءل عن سبب كل هذا، وقبل أن أتفوه بكلمه زمجر أحدهم

"الرخصة والاستمارة يللخو!" بينما ظل الآخر ينظر نفس النظرة حتى بعد أن

خرجت من السيارة وابتعدت عنها ظل يبحلق بنفس الطريقه في نفس الاتجاه،

لا بد أنه تاه في وديان تفكيره. سألتهما: هل ممكن أن أستفسر عن سبب توقيفي ؟

لم يرد أحد علي وإنما كان أحدهما يمسك برخصتي ويتمعن فيها ثم سألني:

الرخصة منتهيه هاه؟؟

قلت: يمكنك أن تلاحظ ذلك، مكتوب أمامك في الرخصة.

قال: لا تتفسلف ، قللي وش اسمك ووين تشتغل؟

قلت له أنا مدرس واسمي مدون عندك.. لم أكن أعلم أن ثقافته الواسعه لم

تسع القراءة والكتابة بعد وأنه لولا وجود صورتي الشخصية في الرخصة لأمسكها

بالشقلوب كما أمسك الاستمارة.

المهم عاودت سؤالهما: ماذا جنيت؟؟

قال: وش سويت؟ انت تعرف وش سويت!

ثم التقط الآخر جهاز اللاسلكي: ج 22 ج 22 السيارة اللي قطعت الاشاره لونها

حمر؟؟ ....ايه قبضنا على السياره الحمرا ورح نحمل سايقها للحجز.


نعم ماذا؟؟ الحجز؟؟ ولكن أنا لم أخالف في حياتي كلها ولا أي مخالفه!! هذا

ظلم حرام!!

قال: كمان تكذب!! آه منكم يالشباب المتهورين كلكم تخالفون وتنكرون.

لكن أنا لم أخالف ولم أقطع أي اشاره في حياتي.

قال: أقول شرف قدامي عالجيب أطلع..

وفتح بوابة الجيب الخلفيه فسقط شخصان من فيض الحمولة، وصرخ العسكري في

وجهي: شرّف اطلع

أطلع؟ أطلع فين؟؟؟

قال: أقول لا تكثر كلام اطلع وخلصنا، اذا عندك شي قوله في الحجز.

تلملم الاثنان الذان سقطا وتكومت معهما ومع المتهمين الستة الآخرين داخل

الجيب متجهين إلى أبو زعبل. "أقصد التوقيف"

شرفنا الحجز ووجدنا هناك أمماً من المخالفين، وعند البوابة الخارجية

استوقفنا عسكري يحمل رتبة .... مممم أعتقد أنها رتبة كشافة، المهم كان

ذلك الشخص محترفاً في الصراخ والبذاءة. أخذ يصرخ وهو يدفعنا:

"أمشوا بسرعه لا تتلككوا، فسخوا حذيانكم هنا عند الباب وادخلوا حافيين

امشوا حركوا لا تضطروني أمد يدي"

هاه؟ أدخلها حافياً؟؟؟ لماذا؟ إلى أين أنا داخل بالضبط؟؟

"أقول فسخ حذيانك لا توسخ الأرضية"

أظن أن أقذر حذاء في العالم لن يزداد إلا قذارة لو وطأ تلك "الأرضية" المهم

ودعت حذائي الجديد عند البوابة ودخلت، وهناك رأيت أفواجاً من كل أصناف البشر،

انحشرنا في ساحة في طرفها سلك تليفون متدلي يقف أمامه طابور يدفع بعضه بعضاً،

وبدأ أيضاً أصحاب الجوالات والواوات باجراء اتصالاتهم السريعه وبدأ السيد كشافه

يتردد كل هنيهة ليزمجر تارة ولينادي أحد أصحاب الواوات بكل لطف تارة أخرى

ليفرج عنه، استمرت عملية التصفية ساعة لم يبق بعدها في الساحة سوى أفواج من

السائقين الأجانب ومن المنحوسين الذين ليس لديهم أي واو مثلي :((

عاد السيد كشافة يزعق:

"هيا خلاص قاعدين تتدلعوا هنا يا عرايس؟؟ يللا يللا قدامي على العنبر قبل ما

أمد يدي"

ماذا يظن نفسه هذا الحقير؟ وحتى لو كنا زعماء تجار المخدرات لا يحق له أن

يعاملنا بهذا الأسلوب البذيء!! >:(((

تدافعنا وخرجنا من الساحة، آه نسيت أن أخبركم: أنا سميتها ساحة مع أنها ضيقه

لأنني بعد ذلك رأيت العنبر... العنبر..

العنبر الذي ذكرني بالسرداب المقرف الذي كنت أعيش فيه في القرية ولكنه أسوأ

وأقررررففف  بكثيير، وجدتني متقرفاً في أقرف مكان تكدس فيه أقرف المقرفين!!

ياللقرف المقرف.

حسن أعذروني لا بد أن أصف العنبر.. سأؤذي أسماعكم ولكن رجاءً استحملوني..

قبل أن تواصلوا قراءة الأسطر المقبلة تناولوا اسبرين أو بانادول وعلى الحوامل

والأطفال دون سن 25 سنه التوقف عن القراءة هنا والقفز 10 أسطر.

العنبر:

المساحة: جناح فاخر (أوسع من التابوت بقليل) 4×3 متر.

النزلاء: عشرات العشرات من المعفنين الذين نسوا كيف يكون ملمس الماء على

        الأجساد مع المساكين الأجانب و.. أنا.

التصميم: شبيه بتصميم السرداب، مع ملحق حمام ذو باب قصير جداً يستطيع

        الجالس رؤية  جميع العمليات من خلاله، يفوح الحمام   بعبيره النفاذ

        الذي يساعد انتشاره في الغرفه ذلك المكيف الذي يعصف أمام باب

        الحمام مباشرة! غير بقعة الماء المنتشرة أمام بابه لتغطي ربع

        أرضية العنبر.

الأثاث: فرشة وحسب! لا ليست كأي فرشه أو سجاده رأيتها في حياتي.. كانت بلون

        فيراني فاخر تدل أطرافها إلى أن لونها الأصلي كان أخضر قبل أن

        تطمره السنينتحت تلك الطبقة. هنيئاً لحذائي الذي نجا منها.

        تلك الفرشة مزينه برقع تركها الدخان مع أرزات يابسات وعظيمات من

        آثار الأكل أضافت لمسة جمالية للفرشة.

الرائحه: لا توصف، فقط تخيلوا هذا المزيج: رائحة معفنين بشريه، كل منهم بدأ
       
        يدخن إحدى أسوأ ماركات الدخان، غير السجائر التي لا تجمل ماركة حتى

        أصبحت الرؤية ضبابية حتى غير المدخنين شاركوا في ضخ الضباب

        النفاذ مع الرائحة التي يجود بها الحمام مع طابور

        النزلاء الذي ارتص أمامه، أه بالمناسبه المياه كانت مقطوعه في

        ذلك اليوم!
         

تكعبلت وأنا أدخل الجناح بحطبة اكتشفت عندما تابعت امتدادها أنها ساق شخص

استند عن الجدار وتخشب، ساقه ممدوتة من تحت وزرته وساقه الثانيه اختفت

تحته وتحنط جسمه كله، كنت سأجزم بأنه تمثال لولا سبابته التي كانت الشيء

الوحيد المتحرك في جسده، كان كأنما ينقب بها عن شيء ما ضاع في منخاره >:(

رأيت هناك أناساً كثيرين، كل منهم يكفي لكتابة رواية "طعم الحرية" أخرى!

أطول وأكثر غصة وألماً من طعم حريتي.

كان هناك أكثر من شخص لم ييأسوا من التوسل والصراخ:

"هرااام أنا فيه واهد نفر مسكين، هزا فيه زُلم زُلم هررررام

أنا فيه تلاته هُرمه وكمسه بَزوره مافي ياكل، ايس فيه أنا يسوي دهين!!!"


"يا قماعه غيروا على احنا يا قماعه، ياخي قلنالك ما اسرعنا ياخي معايه هذا الونيت محمل امه

200 كيلو قوطه وخضره بالقوه يبز نفسه ويبز احنا معاه، ياخي هذا راس مالي 200 ريال بزاها

وفكونا ياخي ألحق القوطه لا تنسرق وللا تعفن ياخي وانا جالس هنا"


"لأه أنا مزلوم ياعالم مزلوم ياناس خرقوني من هنا، ما أطعتش الاشاره،

دا القزمه اللي أدامي وءف وخلاني أءف في نص الطريء لين ما صفرت الاشاره

وحمرت، أعمل ايه انا اعمل ايه؟؟؟ المخالفة دي أكتر من نص راتبي أعمل

ايه؟؟؟؟ خرقوني من هنا خرقووووني"

وهستر المسكين وبدأ ينطح قضبان العنبر برأسه إلى أن أدماه فسقط زائغ

العينين يزبد ويردد "مزلووم خرقوني"


وأكثر ما لفت انتباهي هو ذلك الذي انسدح مع ضيق المكان ومع وطأة الأقدام

غرق في نوم هانيء عميق، من أين له النوم؟ بل من أين له تلك البيجامه؟

وكأنه اعتاد الإقامة هنا! ماذا؟ دفعني الرعب إلى سؤال الشخص الذي ربط

جرحاً في دماغه وانهمك في تدوين الذكريات على الحائط بجانبي عن مدة

العقوبة فنظر لي هنيهة ثم أشار بثلاثة أصابع قلت ماذا؟؟!!!!

ثلاث ساعات كاملة؟؟ لا هذا كثير مشاغلي وظروفي، فابتسم بلآمة قائلاً: تستظرف

حضرتك؟ ثلاثة أيام عسل يا عسل.. وواصل كتابة الذكريات.

ماذا؟؟ ثلاثة أيام؟؟؟ ثلاثة أيااااامممم!!!!!!! لأه حرام!! دا زلم!! أنا ما

أطعتش الإشارة أنا مزلوووم بريييييء وبدأت بدوري أنطح القضبان حتى أغمى علي

واستيقضت ودماغي مربط فاستلفت القلم من ذلك الشخص وبدأت في تدوين الذكريات!

وأنا أدون الذكريات على الحائط تكعبلت مرة أخرى بساق ذلك المتخشب، كان نائماً

ولكن سبابته لم تنم، تكوم بجانبه تل صغير مما استخرجه من منجمه، ولكنه لم يجد

الكنز بعد، ما زال ينقب وينقب حتى وصل إلى الرئة واستخرج مابها و.. ما هذا

هناك حشرة عملاقة تقترب منه، أظن أنها كانت بالأصل صرصوراً تغيرت تركيبته الجنية

بسبب جودة التغذية، أو ربما بسبب مزيج الروائح النفاذه السامه، ياللمسكين

لو لدغه ذلك الشيء فلن.. ياه لقد دخل الصرصور تحت الوزره بالفعل، سيستقظ

الآن، لا بد أن يصرخ، أو يتحرك... مضى الوقت ولم يحدث شيء، بل استمر بالتنقيب

الهاديء.. وبعد هنيهة خرج الصرصور المسكين فاراً من تحت الوزرة تتبعه سحابة

غازية سامة.... يييييع.

واااااو ذلك الجدار تحفة فنيه بمعني الكلمة، ذكريات ولوحات فنيه وأخرى فاضحه

وخطب صماء عن الظلم وأرقام تليفونات وأشعار رومانسية وأخرى نبطية..

أمضيت النهار في التمتع بآلام المساجين المدونه على الحائط و فجأه عاد السيد

كشافة.. يااااه عاد الأمل قد يرفج عني هذه المرة.

نادى باسم أحد المساجين: فوزي أبو راس - فوزي أبو راس يللا أطلع يا فوزي

لم يستجب أحد، فأشار كشافة إلى ذلك النائم في بيت أبوه قائلاً صحو فوزي من

عندكم. ماشاء الله عليك يا فوزي متعود على الحجز. استيقظ فوزي متأففاً

بسبب الازعاج وهرش خده الذي التصق به بعض فتات الطعام والأرز بكسل وقال:

"تيب تيب يابويه خلاص سمعنا، شويه بس آخد دش وأجيك أنا"


وأخرج منشفته من تحت مخدته ومشي يتبخطر إلى الحمام ليأخذ دشه ويبدل بيجامته!!

حاولت استغلال الفرصة وبدأت أتوسل إلى ذلك الكشافه:

أنا فعلاً ما قطعت الإشارة، أرجوك أريد التحدث إلى النقيب.

فأجاب: ممنوع

حسن أريد التحدث بالهاتف لطمأنة أهلي.

فأجاب: ممنوع

حسن هل من الممكن أن أعطيك رقم هاتفي لتطمأنهم أنت، عمل إنساني..

فأجاب: يووووه قلنالك ممنوع ممنوع حل عني!!

وفي تلك الأثناء لمعت نجوم النقيب ومر في الأفق فاستصرخته.

جاء النقيب وسألني عن سبب صراخي، فسردت له قصتي كلها..

ما قصر النقيب.. بعد أن تأكد من نظافة سجلي والتمس الصدق في كلامي اطلق

صراحي واعتذر لي أيضاً.

آآآآآههههههههه خرجت من الزنزانه بعد نهار قضيته كسنين، اختفت جميع الأحذيه من

أمام البوابه طبعاً وحلت محلها الزنانيب المقطعه ولكنني لم أبالي..

ركضت على الرمضاء الملتهبة حافي القدمين وأوقفت أول ليموزين وعدت إلى بيتي.

تعقدت نفسياً بعدها فامتنعت عن قيادة السيارات.. وقررت أن أستمتع مع أصدقاء

الدراسة وزملائي الشباب.

ذهبت معهم يوماً لنتنزه..

الملاهي.. ممنوع عوايل

حديقة الحيوان.. ممنوع عوايل

الاستراحة.. اليوم خميس عوايل بس

الشاليهات.. ممنوع للعوايل بس

عوايل عوايل عوايل عوايل عوايل .....

لم يتبقى لنا سوى القهوة.. المقبرة التي لا ترد عازباً.. قهوة وشيشة وبلوت

وياله من ترفيه.

مممم بعدها فكرت بأن أنزه أبناء اختي، نعم أنا مع الأطفال المفروض نعد عائله..

وتقافز أبناء أختي "نبعى عالم المرح نبعى عالم المرح" حسن أخذتهم لعالم المرح

ذلك وعند البوابة استوقفني السكرتي: على فين على فين!!

قلت له أتيت لأنزه أبناء أختي..

فقال بآلية: ممنوع للعوايل بس...

انفجررت شرايين مخي:::: ماذا؟؟؟؟؟!!!!!!! وماذا تسمينا؟؟؟؟ أنا وأربعة أطفال

أمامك؟؟؟؟ فرقة أبو هلال؟؟؟؟

أعاد بآلية: عوايل بس! فين المدام؟

قلت له: لو فرضنا أن أمهم متوفيه ألا يتنزهون؟

قال: يتنزهون ولكن لازم تكون معهم وحده بعبايه.

ياللسخافه.. المصيبة أنه في نفس الوقت دخل خمسة شباب صيّع يتضاحكون فأدخلهم

فقط لأن معهم "وحده بعباية" والعالم قد تكون خادمة عند أحدهم، أو قد تكون صديقهم

السادس متنكراً في "عباية".

أضطررت في النهاية أن أمشي الأطفال المساكين في المراجيح الصدئة في الكورنيش...

ماهذا كله؟؟؟؟؟ ألهذه الدرجة الأسرة مهمه؟؟؟ هل عزوبيتي هي مشكلتي؟؟

نعم أظن أن العزوبية هي المشكلة.. لا بد أن أتزوج وأكون عائلتي المستقلة لتكتمل

حريتي. نعم.. لقد حان الوقت لأبني عالمي الخاص بنفسي وأنشئة لبنة لبنه على كيفي

وبحريتي >:))))).

Wednesday, April 4, 2012

طعم الحرية - الحلقة الخامسة - قم للمعلم وفه التلطيشا TASTE OF FREEDOM 5


طعم الحرية، قصة اللاهث خلف حريته.. كتبتها عفوياً عام 1997م وسجلتها .. ولسبب ما لم أنشرها إلا بعد 15 سنه من كتابتها...
ولسبب ما (آخر) تجنبت أن أقوم بأي تعديلات أو تنقيحات.. فسامحوني مسبقاً :)
للاستماع إلى الملفات الصوتية:
http://www.youtube.com/user/theFUNANIMALS





تخرجت من الجامعة بهدوء كما دخلتها بهدوء، لم يكن لتخرجي أي شعور خاص

ولا فرحة ولا زغاريد ولا شربات ولا الناجح يرفع ايده، فقط أحضرت الوثيقة

معي وألقيتها جانباً كنت أعلم أنني سأواجه مصيري المحدد مسبقاً كـ "مدرس".

ولكنني سأستقل بوظيفتي الآن، نعم هذا ما أحلم به منذ الأزل، الاعتماد على

الذات ونيل الاستقلالية والحرية الشخصية!! >:))

بالرغم من تكدس المدارس في مدينتي إلا أن عقوبة النفي مفروضة على كل

مدرس، وصدر الحكم بأن أغرّب في قرية مكثت فيها سنتين ولم أستطع حتى نطق

اسمها، بالتأكيد هناك سر في إرسالي لتلك القرية النائية، ربما لتعريضي

لأكثر ظروف التدريس قساوة مع أكثر العقول تصلباً لاكتسب أقصى درجات

المهارة، نعم أحب هذا النوع من التحدي وأقبله >:) ... ولكن

لم أعلم أن تصلب العقول هذا معدي و أن ما سألاقيه هناك سيكون أسوأ بكثير

مما كنت أتخيل حتى في أبشع كوابيسي!

جهزت راحلتي وودعت أهلي واوصيتهم خيراً وانطلقت بالطائرة إلى نجد

ومنها بالسيارة إلى إحدى الضواحي، ثم امتطيت الدواب لأصل إلى القرية

المنشودة وبعدها زحفت على الرمال حتى وصلت إلى المدرسة. ورأيتها وقتل

مرآها جميع حماسي. رأيت حين رأيت "حوشاً" يحيط بمبنى متهالك من طابق واحد

ومجموعة من الصنادق المتناثرة على الرمال الصفراء الملتهبة التي زينتها

مخلفات المواشي بنقاط سوداء لامعة.

اقتربت من السور وحاولت عبثاً قراءة اسم المدرسة الذي خط على بقايا كرتون

موية صحه مع سهم وملحوظة تقول: بنشري على بعد 200 متر.

حاولت التأقلم على وضعي الجديد، صحيح أن سكني هناك كان عبارة عن سرداب

5 نجوم مع ملحق دورة مياه لا يفرقهما إلا أن تركيز الرائحة في الدورة

أكثر.. قليلاً.

ولكن أحلامي كانت تراودني بأنني سأقضي فترة خلوة ونقاهة في تلك القرية،

في قلب الطبيعة حيث الجو العليل، والغذاء الطبيعي الصحي، أنام في سكون

الليل وأصحو على زقزقة العصافير التي تتسلل إلى حجرتي وتسحب غطائي

بمناقيرها تداعبني كي أصحو (مثل سنو وايت)... ولكن كثيراً ما يتمادى

المرء في أحلامه :((

لم أتمادى كثيراً فقصة سنو وايت انطبقت علي ولكن باختلاف الأبطال.

أنا حللت محل سنو وايت ويمكنك أن تقيس الباقي!

أما العاصفير فقد حل محلها الناموس في الليل والذباب في الصباح >:((

في الليل حاولت أن أنام بالذات عندما اختفت معالم الحياة من القرية بعد

غروب الشمس مباشرة.. أحسست بالحر، شغلت مكيف الهواء، اكتشفت أنه صوت من

غير صورة عندما سعل بقايا الصدأ الذي كومته السنين بداخله مكوناً سحابة

حمراء وبدأ يزمجر معترضاً على إيقاضه من سباته الطويل، فأعدته إلى سباته

الأبدي.

فتحت الشباك لأتبرد قليلاً ولم أكن أعلم أن جيشاً من الباعوض ينتظرني عنده

ليقتحم علي الغرفة وقضيت ليلتي كلها في معركة هرشاء لم يبق بعدها في

جسمي موضع ناموسة إلا وفيه لدغة حمراء متورمة من كثر ما هرشتها..

ومع هذا كله نمت!!!

وعندما أشرق الصبح بنوره لم تيقظني العصافير حسب السيناريو، لأنها

كانت نائمه، فتبرع الذباب بذلك

"ززززنننن"

أهشها ..تذهب،

وحالما أعود للنوم تعود فأسمعها طنينها "ززززننن"

وأحسها تدغدغ وجهي فيقشعر جسمي وأهشها بقوة.. فأصفع نفسي

أتلحف باللحاف كي لا تلمسني ولا أظهر إلا عيني وأنفي لأتنفس

فتعود لتقع على أنفي وعيني أووووه

أهشها ولكنها لا تطير هذه المرة وبالغلط أفركها على عيني و.. وييييع!!

مع هذا كله أعود للنوم.

"كوكو كوكوووو" صاح الديك.. المزعج

لم أستيقظ..

"كو كو كووو كككووو ككككككووو ككووووووو!!"  الوقح يريد أن يعاندني!!!

ولكنني لم أستيقظ!!

"كوكوكوووووووووووو" "مااأأاااااااءءءءء" شاركته المعزة في سيمفونيته

لإيقاظي حشرت رأسي تحت المخدة ولم أستيقظ!!!!

ارتصت جميع الحيوانات أمام نافذتي وبدأوا يتساجلون بأصواتهم المزعجه

إلى أن كسبوا معركة الاستيقاظ ضدي وبدأت أحذفهم بأثاث الغرفه إلى أن

تفرقوا.

هكذا هو الحال كل يوم، أستيقظ بعد عناء ورائحة المواشي تزكم أنفي وتكتم

أنفاسي ومخلفاتها المكورة السوداء منتشرة في كللل مكان، كنت أتحاشى أن

أدوس عليها في باديء الأمر حتى تعودت وصرت لا أبالي إن دست عليها، أو

علقت بثوبي .. أو حتى وقعت في طعامي.

أخرج كل صباح ألملم أثاث غرفتي الذي كنت أحذف به الحيوانات العنيده التي

لا يضاهي عنادها إلا تناحة الطلاب وأتوجه إلى حوش الطلاب.. أقصد المدرسة.

ذهبت هناك كمدرس للاجتماعيات لصفوف الدراسة المتوسطة ولكن الحال انتهى

بي أني أصبحت أدرس جميع المواد لجميع الصفوف حيث أن المدرس الوحيد الآخر

في المدرسة كان إذا عطس أخذ إجازة مرضية لمدة شهرين، فأتكفل أنا بكل شيء

حتى المقصف >:((

بدأت التدريس بعد أن عاهدت نفسي أن أكون الأب العطوف على الطلاب وأن لا

ألجأ للضرب أبداً وأن أطبق معهم أسلوب السياسه السلسه الذي يعتمد على

محاكاة عقلية الطالب والتعمق في نفسيته بدون إجباره على شيء.

استمرت سياستي هذي مده وقدرها حصتين! صعقت عندما  دخلت أول فصل

فوجدت لوحة تزين عرض الحائط مكتوب عليها أبيات أحمد شوقي:

         قم للمعلم وفه التبجيلا .... كاد المعلم أن يكون رسولا

بعد أن شوه أحد الأباليس هذه الأبيات فجعلها:

        قم للمعلم وفه التطفيشا .... كاد المعلم أن يكون شويشا

والظاهر أن العلماء اختلفوا في الرواية فأضاف إبليس آخر:

      قم للمعلم وفه التنكيلا .... كاد المعلم أن يبيع بليلا

                                             بتوقيع أبو كليبان

أضطررت عندذاك أن أتخلى عن سياستي وأعود إلى الأسلوب الكلاسيكي في

التدريس (الفرش! والخيزرانه!!) فأصبحت لا أمشي في المدرسة إلا متأبطاً

خزيرانتي شحرورة، التي ياما نالت من جلود الأوغاد! >:)

درست أول سنه، كانت خلالها ثقتي في تناحة الطلاب تزداد، وفي آخر العام

بحثت عن أسهل الأسئلة في المناهج وقدمتها لهم في الامتحان ومع ذلك لم

ينجح أحد!

اتهموني بتعقيد الأسئلة وطالبوني بوضع الأسئلة بالأسلوب الامريكي الذي

تعودوا عليه!!

سهلتها إلى أقصى حد واتبعت أسلوب الاختيار المتعدد في وضعها

 وإليكم بعض الأمثلة:


فرعون هذه الأمه هو:      
                       أ- أبو جهل
                       ب- حسن زعبلّه
                       ج- مايكل جاكسون
                       د- غراندايزر
                       ه- جميع ما سبق

وقعت معركة القادسية بين:
                       أ- المسلمين والفرس
                       ب- امريكا وروسيا
                       ج- الوحدة والأرجنتين
                       د- لم تقع بعد
                       ه- جميع ما سبق

يحد المملكة من الشمال:
                       أ- العراق والأردن
                       ب- القطب الشمالي
                       ج- الرياض
                       د- المريخ
                       ه- جميع ما سبق

والحمدلله ساعد ذلك على خفض نسبة الرسوب من 100% إلى 92% فقط!