Wednesday, March 21, 2012

طعم الحرية - الحلقة الثالثة - أستاد فريج TASTE OF FREEDOM 3

طعم الحرية، قصة اللاهث خلف حريته.. كتبتها عفوياً عام 1997م وسجلتها .. ولسبب ما لم أنشرها إلا بعد 15 سنه من كتابتها...
ولسبب ما (آخر) تجنبت أن أقوم بأي تعديلات أو تنقيحات.. فسامحوني مسبقاً :)
للاستماع إلى الملف الصوتي:
http://www.youtube.com/watch?v=tP2SaQSLJOA






بالفعل اقتادوني إلى معتقلات التعليم الابتدائي ("التعليم" بحني الميم

إلى اليسار مع تنقيطها)

كل ما رأيته في حياتي كوم والذي عشته وذقته هناك في المدرسة كوم بل

أكوام بل جبال وهضاب وكل أنواع التضاريس!!!

منذ أول يوم لي في المدرسة أخذوا يجوبون بنا أنحاء المدرسة، كنت

أتفحص منافذها وأسوارها علّي أجد طريقة للفرار منها ولكنها كانت أحصن

من بيتنا >:(

مررنا بجوار غرفة الوكيل فرأيت العجب العجاب، أعتقد أن السلم الوظيفي

في المدرسين يعتمد على مهارتهم وخبرتهم التكنيكيه في الفرش والتعذيب،

لذا نجد مدرس العلوم مثلاً يجيد الفرش أكثر من مدرس الدين وأما مدرس

الرسم فلا يفرش أبداً بينما ينفرد مدرس الرياضيات بإجادة الفلكه المؤلمة

في الرجول. المهم عندما مررنا بجانب غرفة الوكيل رأيت طابوراً من

الطلبة البائسين قد اصطف أمام الباب يحرسهم بوديقاردان من الكشافه

(فرقة الكشافه من الفرق المعمّره في المدرسة والتي أبت إلا أن تبّلط في

سنة سادسة لذا فكلهم شنبات وأباضايات) انفتح باب الوكيل وأطل هو منه،

الشر والشرر يتطايران من وجهه وعينيه وابتسامته الجذله الهستيريه،

أومأ بطرف عينيه إيماءة استجاب لها العملاقان على الفور فأخرجا بقايا

طالب من الغرفة ثم توجها إلى أحد المتهمين الذي شحب وجهه ولم تعد

ساقاه قادرتان على حمله، فقاداه، أو بالأصح جرّاه إلى داخل الغرفه وخرجا

وأحكما إغلاق الباب وبدأت حلقة التعذيب، بدأ صراخ الولد يعلو

(ستاد خلاص ستااااد ستاد مو أنا ستاااااد، ستاد آخر مره ستاااااااااااد)

والوكيل يزمجر ( أنا رح أربيك يا ولد يا... يابن الـ... يا.. يا.. )

إلى آخر ذلك من الألفاظ التي لم نتعلمها إلا من مربي الأجيال في المدارس.

راح رنين الخيزرانه وطنينها يعلو ويعلو معه صراخ الولد المسكين حتى خمد،

أظن أنه فارق الحياة. كيف يحاكم ويعذب بدون محامي يدافع عنه؟ ليتنى

وصلت في الوقت المناسب لإنقاذ الولد!

ألا يوجد أسلوب للتفاهم غير هذا؟إنها الخيزرانه والخيزرانه فقط، كل شيء

هناك محرم وممنوع حقوق الإنسان جميعها مهضومه!! حرية إبداء الرأي معدومه!!!

الكلام ممنوع

الأكل في الفصل ممنوع

المعاملات التجاريه مع الحجّات ممنوعه، وياويل من يضبط مهرباً لكميات من

اللوز، يتعرض للفرش فوراً وتعزيراً ويتم مصادرة شحنة اللوز إلى غرفة

المدرسين طبعاً. كنا حتى إذا عفنا سندويشات المقصف (كانت عبارة عن شابوره

يسمونا خبز مجازاً فيها عينّة بيض مقطن أو كبده بايته أو جبنه بنكهة

المربى) كنا نستورد السندويشات من الكافتيريا المجاوره، ولكنها كانت

أيضاً محظوره بحجّة أنها ليست نظيفة (لا أريد أن أصف لكم الطريقة التي كان

يستخدمها عم عطيّه في إعداد السندويشات حتى تتمكنوا من مواصلةالقراءة،

فقط أحب أن أنوه أنه كان يستخدم يده المجرده في كل شيء! تخيل كيف يضيف

المربى والزبده إلى السندويشات بيده بعد أن يدعك بها انفه المزكوم!!)

كل هذا والمدرسون أنفسهم كانوا لا يتناولون إلا سندويشات الطعمية و

الشكشوكه الفاخره من البوفيه المجاوره!!

أذكر في مرة في حصة الرسم، طلب منا الأستاذ أن نرسم صحن فواكه، ولسوء

الحظ كان صحن فواكهنا في اليوم الذي قبله عباره عن كيوي وموز. فبدأت

أتفنن في رسم الكيوي وبالغت حتى امتلأ الصحن بالكيوي فقط وعندما تداركت

نفسي رسمت موزة واحدة معلقة في القمة ومقشرة كمان. عندما مر الأستاذ

بمحاذاتي ونظر إلى لوحتي اندهش، وسألني :

(ايش القرف والخرابيش البنيه دي يا ورع؟ أنا مش قلت أرسموا صحن فواكه؟)

قلت له أن هذا صحن الفواكه الذي عندنا في البيت رسمته فقال:

(ايش؟نا قلت لك ترسم الصحن اللي في بيتكم؟ إنتوا كنتوا تحلوا بايش أمس

بطاطس؟) قلت لا ولكنها حاجه حلوه بنيه من الخارج وخضراء من الداخل،

فاحتار الأستاذ وهرش الشماغ الذي التصق بفروة رأسه محاولاً تذكر فاكهة

بهذه المواصفات، ولكن قاعدة معلوماته الواسعه لم تسعفه بأن في هذا

الكوكب اكتشاف يسمى الكيوي. كل ما أسعفته به هو القشرة التي تناثرت

من شماغه على سطح ماصتي وكراستي. اكتفى بعدها  بأن أشار إلى السبوره

قائلاً: (شوف يا ولد أرسم صحن فواكه زي هذا، موز وبرتكان وتفاح وعنب

ونص حبحبه مفهوم!!!) وبطاعة عمياء نسخت الرسمة كالباقين وأصبحت هذه هي

لوحة الفواكه الدستوريه التي لم تتغير على مر السنين مع لوحات المنظر

الطبيعي (جبال بينها شمس مشرقه بخطوط صفراء ونهر يشق طريقه بين الجبال

و4 شجرات تفاح ونخلتين) بالإضافه إلى أسبوع الشجره واسبوع المرور وباقة

ورد وعمل اختياري.

استاد فريج، ما زلت أذكر هذا الشخص، لا أفتكر ملامحه بالقدر الذي أفتكر

به تفاصيل خيزرانته التي كان يبادلها شعوراً عاطفياً خفياً، ربما لأنها

الشيء الوحيد الذي ينصاع له في هذا الكون، فيفرغ عقده كلها في خزيرانته

وبالتالي في أيدينا وأقدامنا وجلودنا >:( كان يدللها، يزينها بلفافة

"شطرطون" سوداء وصفراء لتزيد قوة لسعها، وفي طرفها المكور هناك دبابيس

ذهبيه قاسية يستخدمها لـيقرمح بها ظاهر أصابعنا.

كان هذا الاستاد هاديء جداً جداً، يرن جرس بداية الحصه على بال ما يصل

إلينا يكون ثلث الحصه قد انصرم، وعلى بال ما يمسح بقايا الخط الصغير

الوحيد في السبوره ليتأكد من اختفائه، والعجب انه بعد ذلك كله لا يكتب

أي شيء على السبوره وإنما يتبوأ مقعده وفي تلك الأثناء يكون قد مضى ثلثي

الحصة يجلس على الكرسي بعدها ليلقننا حصة.... الرياضيات!

كانت ملامح ذلك الشخص مطعّجه ومتداخله بطريقه توحي إلى أنه نائم بالفطره

وبالرغم من أني أجلس في الصف الأول أمامه مباشرة كنت ألاحظ تحرك شفتيه

بصعوبه وهما تتمتمان بلا صوت ولكنني كنت أتابع معه لأني كنت أرى الصفحة

التي يقرأ منها درس الرياضيات وأقلب صفحتي كلما قلب هو الصفحة.

المعاناة التي كنت أواجهها معه هي أن الخدر يدب في أوصالي عندما يسكن

الفصل وأظل أرقب حركة شفتيه وملامحه المخدره، قاتلت لطرد النعاس ولكنني

في النهاية نمت غصبن عني. لحظتها فقط تحول جردل الثلج إلى تنين هائج

وصرخ (تنام في الحصة يا ولد يا.. يا .... يا ....!!!!) واستل خيزرانته

من غمدها واشهرها في وجهي و........ (آسف هذا المقطع يؤلمني كثيراً لذا

لن أسرده).

استمرت دراستي سنة تقذفني إلى أخرى وفي كل سنه تمتص المدرسة المزيد من

إصراري على نيل حريتي، إلى أن تبخر ما تبقى بداخلي من أمل، وأصبحت

شخصاً عديم الحرية والإراده.. ربما هذا كله بسبب الدراسه؟ وربما ساستعيد

حريتي بعد التخرج من المدرسة؟ ربما..

No comments:

Post a Comment